سورة الكهف - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الكهف)


        


{قَالَ} أي الخضر {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً} فلما رأى موسى أن الخرق لا يدخله الماء ولم يفر من السفينة {قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِى بِمَا نَسِيتُ} بالذي نسيته أو بشيء نسيته أو بنسياني أراد أنه نسي وصيته ولا مؤاخذة على الناسي، أو أراد بالنسيان الترك أي لا تؤاخذني بما تركت من وصيتك أول مرة {وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِى عُسْراً} رهقه إذا غشيه وأرهقه إياه أي ولا تغشني عسراً من أمري وهو اتباعه إياه أي ولا تعسر على متابعتك ويسرها عليَّ بالإغضاء وترك المناقشة {فانطلقا حتى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ} قيل: ضرب برأسه الحائط. وقيل: أضجعه ثم ذبحه بالسكين. وإنما قال: {فقتله} بالفاء وقال: {خرقها} بغير فاء، لأن {خرقها} جعل جزاء للشرط وجعل {قتله} من جملة الشرط معطوفاً عليه والجزاء {قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا} وإنما خولف بينهما لأن خرق السفينة لم يتعقب الركوب وقد تعقب القتل لقاء الغلام {زَكِيَّةً} {زاكية} حجازي وأبو عمرو وهي الطاهرة من الذنوب، إما لأنها طاهرة عنده لأنه لم يرها قد أذنبت أو لأنها صغيرة لم يبلغ الحنث {بِغَيْرِ نَفْسٍ} أي لم تقتل نفساً فيقتص منها. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن نجدة الحروري كتب إليه كيف جاز قتله وقد نهى رسول صلى الله عليه وسلم عن قتل الولدان؟ فكتب إليه: إن علمت من حال الولدان ما علمه موسى فلك أن تقتل.
{لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُّكْراً} وبضم الكاف حيث كان: مدني وأبو بكر وهو المنكر. وقيل: النكر أقل من الإمر لأن قتل نفس واحدة أهون من إغراق أهل السفنية، أو معناه جئت شيئاً أنكر من الأول لأن الخرق يمكن تداركه بالسد ولا يمكن تدارك القتل.


{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِىَ صَبْراً} زاد {لك} هنا لأن النكر فيه أكثر {قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَئ بَعْدَهَا} بعد هذه الكرة أو المسألة {فَلاَ تُصَاحِبْنِى قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنّى عُذْراً} أعذرت فيما بيني وبينك في الفراق. و{لدني} بتخفيف النون: مدني وأبو بكر.
{فانطلقا حتى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ} هي أنطاكية أو الأيلة وهي أبعد أرض الله من السماء {استطعما أَهْلَهَا} استضافاً {فَأَبَوْاْ أَن يُضَيّفُوهُمَا} ضيفه أنزله وجعله ضيفه قال عليه السلام: «كانوا أهل قرية لئاماً» وقيل: شر القرى التي تبخل بالقرى {فَوَجَدَا فِيهَا} في القرية {جِدَاراً} طوله مائة ذراع {يُرِيدُ أَن يَنقَضَّ} يكاد يسقط استعيرت الإرادة للمداناة والمشارفة كما استعير الهم والعزم لذلك {فَأَقَامَهُ} بيده أو مسحه بيده فقام واستوى، أو نقضه وبناه كان الحال حال اضطرار وافتقار إلى المطعم وقد لزتهما الحاجة إلى آخر كسب المرء وهو المسائلة فلم يجدا مواسياً، فلما أقام الجدار لم يتمالك موسى لما رآى من الحرمان ومساس الحاجة أن {قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} أي لطلبت على عملك جعلا حتى تستدفع به الضرورة. {لتخذت} بتخفيف التاء وكسر الخاء وإدغام الذال: بصري، وبإظهارها: مكي، وبتشديد التاء وفتح الخاء وإظهار الذال: حفص، وبتشديد التاء وفتح الخاء وإدغام الذال في التاء: غيرهم. والتاء في (تخذ) أصل كما في (تبع)، و(اتخذ) افتعل منه كاتبع من تبع وليس من الأخذ في شيء.


{قَالَ هذا فِرَاقُ بَيْنِى وَبَيْنِكَ} هذا إشارة إلى السؤال الثالث أي هذا الاعتراض سبب الفراق، والأصل هذا فراق بيني وبينك، وقد قرئ به فأضيف المصدر إلى الظرف كما يضاف إلى المفعول به {سَأُنَبّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْراً} {أَمَّا السفينة فَكَانَتْ لمساكين يَعْمَلُونَ فِى البحر} قيل: كانت لعشرة أخوة خمسة منهم زمنى وخمسة يعلمون في البحر {فَأَرَدتُّ أَنْ أَعِيبَهَا} أجعلها ذات عيب {وَكَانَ وَرَاءهُم مَّلِكٌ} أمامهم أو خلفهم وكان طريقهم في رجوعهم عليه وما كان عندهم خبره فأعلم الله به الخضر وهو جلندي {يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً} أي يأخذ كل سفينة صالحة لا عيب فيها غصباً وإن كانت معيبة تركها، وهو مصدر أو مفعول له. فإن قلت: قوله: {فأردت أن أعيبها} مسبب عن خوف الغصب عليها فكان حقه أن يتأخر عن السبب. قلت: المراد به التأخير وإنما قدم للعناية.
{وَأَمَّا الغلام} وكان اسمه الحسين {فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طغيانا وَكُفْراً} فخفنا أن يغشى الوالدين المؤمنين طغياناً عليهما وكفرا لنعمتهما بعقوقه وسوء صنيعه ويلحق بهما شراً وبلاء، أو يعديهما بدائه ويضلهما بضلاله فيرتدا بسببه وهو من كلام الخضر. وإنما خشي الخضر منه ذلك لأنه تعالى أعلمه بحاله وأطلعه على سر أمره وإن كان من قول الله تعالى، فمعنى {فخشينا} فعلمنا إن عاش أن يصير سبباً لكفر والديه {فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا} {يبَدِّلهما ربهما} مدني وأبو عمرو {خَيْراً مّنْهُ زكواة} طهارة ونقاء من الذنوب {وَأَقْرَبَ رُحْماً} رحمة وعطفا، و{زكاة} و{رحما} تمييز. روي أنه ولدت لهما جارية تزوجها نبي فولدت نبياً أو سبعين نبياً أو أبدلهما ابناً مؤمناً مثلهما شامي وهما لغتان {وَأَمَّا الجدار فَكَانَ لغلامين} أصرم وصريم {يَتِيمَيْنِ فِى المدينة} هي القرية المذكورة {وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا} أي لوح من ذهب مكتوب فيه: عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، وعجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب، وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، لا إله إلا الله محمد رسول الله. أو مال مدفون من ذهب وفضة أو صحف فيها علم والأول أظهر. وعن قتادة: أحل الكنز لمن قبلنا وحرم علينا، وحرمت الغنيمة عليها وأحلت لنا. {وَكَانَ أَبُوهُمَا} قيل: جدهما السابع {صالحا} ممن يصحبني. وعن الحسين بن علي رضي الله عنهما أنه قال لبعض الخوارج في كلام جرى بينهما: بم حفظ الله الغلامين؟ قال: بصلاح أبيهما. قال: فأبي وجدي خير منه {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} أي الحلم {وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً} مفعول له أو مصدر منصوب ب {أراد ربك} لأنه في معنى رحمهما {مّن رَّبّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ} وما فعلت ما رأيت {عَنْ أَمْرِى} عن اجتهادي وإنما فعلته بأمر الله والهاء تعود إلى الكل أو إلى الجدار {ذلك} أي الأجوبة الثلاثة {تَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً} حذف التاء تخفيفاً.
وقد زل أقدام أقوام من الضلال في تفضيل الولي على النبي وهو كفر جلي حيث قالوا: أمر موسى بالتعلم من الخضر وهو وليّ. والجواب أن الخضر نبي وإن لم يكن كما زعم البعض، فهذا ابتلاء في حق موسى عليه السلام على أن أهل الكتاب يقولون: إن موسى هذا ليس موسى بن عمران إنما هو موسى بن مانان، ومن المحال أن يكون الوليّ وليًّا إلا بإيمانه بالنبي ثم يكون النبي دون الوليّ، ولا غضاضة في طلب موسى العلم لأن الزيادة في العلم مطلوبة. وإنما ذكر أولاً {فأردت} لأنه إفساد في الظاهر وهو فعله، وثالثاً {فأراد ربك} لأنه إنعام محض وغير مقدور البشر، وثانياً {فأردنا} لأنه إفساد من حيث الفعل إنعام من حيث التبديل. وقال الزجاج: معنى فأردنا فأراد الله عز وجل ومثله في القرآن كثير.
{وَيَسْئَلُونَكَ} أي اليهود على جهة الإمتحان، أو أبو جهل وأشياعه {عَن ذِى القرنين} هو الإسكندر الذي ملك الدنيا. قيل: ملكها مؤمنان: ذو القرنين وسليمان، وكافران: نمرود وبختنصر وكان بعد نمرود. وقيل: كان عبداً صالحاً ملّكه الله الأرض وأعطاه العلم والحكمة وسخر له النور والظلمة، فإذا سرى يهديه النور من أمامه وتحوطه الظلمة من ورائه. وقيل: نبياً. وقيل: ملكاً من الملائكة. وعن عليّ رضي الله عنه أنه قال: ليس بملك ولا نبي ولكن كان عبداً صالحاً ضرب على قرنه الأيمن في طاعة الله فمات ثم بعثه الله، فضرب على قرنه الأيسر فمات فبعثه الله فسمي ذا القرنين وفيكم مثله أراد نفسه. قيل: كان يدعوهم إلى التوحيد فيقتلونه فيحييه الله تعالى. وقال عليه السلام: «سمي ذا القرنين لأنه طاف قرني الدنيا» يعني جانبيها شرقها وغربها. وقيل: كان له قرنان أي ضفيرتان، أو انقرض في وقته قرنان من الناس، أو لأنه ملك الروم وفارس أو الترك والروم، أو كان لتاجه قرنان أو على رأسه ما يشبه القرنين، أو كان كريم الطرفين أبا وأما وكان من الروم {قُلْ سَأَتْلُواْ عَلَيْكُم مّنْهُ} من ذي القرنين {ذِكْراً}.

5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12